Sunday, September 2, 2012

ليست وثيقة واحد بل وثائق... و ليس وطن واحد مباعا بل اوطان:



ليست وثيقة واحد بل وثائق... و ليس وطن واحد مباعا بل اوطان:

القسم الثالث :
كانت مطالب زعماء العشائر النصيرية من حكومة الانتداب الفرنسي كما لاحظنا سابقا تتمحور حول وجوب عدم الحاق دولة العلويين بالدولة السورية و مطالبين بالاستقلال متذرعين بذرائع اختلاف الدين بالدرجة الاولى ، و في الحقيقة هذه الرغبة بالاستقلال لم تكن وليدة مفاوضات الاستقلال بل هي نزعة موجودة منذ وطئ الفرنسيون ارض سوريا و لعل في هذا الجزء من رسالة للجنرال غورو الى حكومته بباريس في السنة الاولى للانتداب ما يكشف هذه الحقيقة بوضوح ، يقول غورو في رسالته تلك :
" أُفيدكم بهذا الصدد، أنّ النصيريين الذين يستيقظ شعورهم الإقليمي للحكم الذاتي، منذ لم يعد للأتراك دورٌ هنا لتذويبهم مع المسلمين.......... فقد تلقيتُ برقيةً تفيدني بأن 73 زعيماً نصيرياً، يتحدّثون باسم جميع القبائل، ويطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقلٍ تحت حمايتنا..."(1)
لم تستطع فرنسا تحقيق الاستقلال المنشود للنصيريين في دولة مستقلة و باءت محاولات النصيريين بالفشل و قوبلت بالرفض من قبل الفرنسيين (مكرهين ) لاسباب سنذكرها في اخر البحث ، فلما ايقن زعماء النصيريين بعدم امكانية تحقيق حلمهم بالانفصال و انفضحت حقيقة المراسلات المتبادلة بين النصيريين و الفرنسيين جاءت رسالتهم المطالبة بالوحدة مع سوريا مسايرة لمتطلبات العصر ، و مما جاء في هذه الرسالة :
معالي وزير الخارجية- باريس
جئناكم وقد نفذ صبرنا نشكو سياسة التفرقة المشؤومة التي ما زال يسير عليها ممثلو فرنسا في حكومة اللاذقية حتى يومنا هذا .
إن أغلب هؤلاء الموظفين الموجودين في بلادنا منذ سنوات عديدة ,يستخدمون سلطاتهم المطلقة لمحاربة كل فكرة للتوحيد بين سكان البلد الواحد .وهم لا يفتأون بمختلف الوسائل ,تغرير القلة من المنتفعين حولهم الذين جمعوهم حولهم للمطالبة بالإبقاء على الوضع الراهن ولا غاية لهم سوى ضمان الإستمرار في مراكزهم,وتأمين مصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك على حساب بلادهم , والبلد الذي دعوا لخدمته فرنسا
ويبدو أنهم في الآونة الأخيرة قد تفتق ذهنهم عن وسيلة جديدة للوصول إلى غايتهم:
فبمقابل البيان المتحرر الصادر عن مجلس الوزراء الفرنسي الجديد والمتعلق بتحقيق استقلال سورية ووحدتها أخذوا يستنفرون أنصارهم ووقعوا على عرائض جديدة تشير بصورة غير مباشرة , وإن كان لا لبس فيها,إلى إبقاء حكومة اللاذقية على نظامها الحالي ................
الموقعين على هذه الرسالة طائفة كبيرة من مشايخ النصيريين و بعض المسيحيين (2)
ان محتوى رسالة الوحدويين يركز على ان العلويين مسلمين و عرب و هم سوريين مثلهم مثل باقي الشعب السوري و ان الانفصالييين مجموعة من الانتهازيين الذين هم ادوات بيد السلطات الفرنسية التي تريد تمزيق الوطن الواحد ..... ان مثل هذا الانشاء لشديد الشبه بما كتبه عبد الرحمن الخير في كتبه عن حقيقة كون النصيريين مسلمين و عرب و وطنيين كما كتب غيره بنفس النفس الوطني و كل ذلك لحرف الانظار عن حقيقة النصيريين و عدم تسليط الضوء عليهم .
ان حقيقة كون ان للنصيريين خطابين الاول خاص بالطائفة و يقوم على الطائفية و العمل من اجل الطائفة يتم تداوله بين جموعهم فقط ، ازاء خطاب اخر قومي وحدوي يلبس العلويين لباس الاسلام و العروبة هو حقيقة لا شك فيها ، و لولا هذا ما كان لهم ان يخترقوا المجتمع السني و يخدروه في الوقت الذي كان التخطيط و المكر منصب على التمكين للطائفة النصيرية و بقيادة مشايخهم الدينيين (سليمان الاحمد ، عبد اللطيف مرهج ، عبد الرحمن الخير ....) لذلك ليس من الغرابة ان يكون غالبية الموقعين على وثيقة الوحدة هم من مشايخ النصيريين ، و كما قلنا كان للنصيرية في كل مراحلها في العصر الحديث خطابين و خطين لهما قيادة واحدة و لكنهما متشعبين الاول قاده رجال الدين و كان خطابا تخديريا للمجموع السني (تعتبر مؤلفات عبد الرحمن الخير نموذجا مثاليا لذلك ) ، و الثاني تآمريا نفذته القيادات العشائرية (السياسية) ثم انتقل عملها لطبقة العسكريين التي ظهرت في الجيش و تم التمكين لها بواسطة الفرنسيين و العديد من خراف السنة (مثل اكرم الحوراني )، ان كلي وثيقتي الانفصال و الوحدة مع سوريا هما من مصدر واحد و ليس من فريقين متعاكسين و ان بدا في الظاهر ذلك ، فالانفصاليون سعوا لتحقيق الانفصال فلما ايقنوا ان ذلك غير ممكن تدخل الدينيون بوثيقة تخديرية لمسايرة الوضع و لتزييف الحقيقة و هذا يشابه الى حد بعيد ما حدث في الستينيات فقد قامت القيادة العسكرية و السياسية للنصيريين (جديد – الاسد – ماخوس ) بصفقة تسليم الجولان فلما احست القيادة الدينية بان الوضع يوشك على الانفجار من قبل السنة بسبب هذه الفعلة مما قد ينعكس على الطائفة نفسها خطت خطوة استباقية فاعلن عبد الرحمن الخير عن بيان تتبرأ به الطائفة من افعال العسكريين ثم لاحقا بعد ان استتب الامر و لم يحدث شيئ تبرأ الخير مما قاله و انكره و لم يسمع له انتقادا لحافظ و افعاله
اذا كان كاتبو العرائض المطالبة بالاستقلال حفنة قليلة من العلويين لا تمثل الا نفسها فكيف عرف كاتبو عريضة الوحدة ان الانفصاليين ابرقوا للفرنسيين و كيف عرف الوحدويون بالمحتوى الذي تضمنته الرسائل الانفصالية حيث نجد في رسالة الوحدويين ما يدل على ان كاتبيها على علم و دراية بما تحتويه رسالة الانفصاليين مثل قولهم ان حجة الانفصاليين هي اختلاف الدين بين العلويين و المسلمين ؟
ان تسلسل التواريخ المؤرخة للوثائق يدل على ان الوحدويين تداركوا فشل الانفصاليين و غطوا عليه بوثيقة سايرت حقيقة انه لا يمكن الانفصال في تلك الظروف ، فرسائل الانفصاليين مؤرخة بين 8 و 11 حزيران 1936 ، و رسالة الوحدويين جاءت بعدها بعشرين يوما ، في 2 تموز 1936، تبع ذلك في 4 كانون الاول من نفس العام اجتماع جمع المندوب السامي الفرنسي مع المجلس التمثيلي لمدينة اللاذقية و هاشم الاتاسي اعلنوا فيه ضم حكومة اللاذقية للجمهورية العربية السورية
أما لماذا لم يستطع العلويون الانفصال بدولتهم و هو ما سعى له كاتبو الرسائل الثلاث المطالبة بالانفصال فان الجواب نجده عند المندوب السامي جبرائيل بيو ، حيث قال :
" إنّ سلطة الانتداب اضطرت لضم بلاد العلويين للدولة السورية بسبب أن العلويين لم يصلوا إلى مستوى حكم أنفسهم بأنفسهم، حتى عاصمتهم اللاذقية، لم تكن قط علوية من حيث السكان، فهي مدينة سنية أولاً ويتبعهم الروم الارثوزكس من حيث العدد."(3)
و نفس الامر قاله جاك فوليرس:
أن سلطة الانتداب الفرنسي، والتي كانت تشجّع استقلال دولة العلويين، تراجعت عن تلك السياسة لسببين، السبب الأول أن الطبقات الشعبية لم تصل إلى مستوى فهم الفرصة التاريخية لبناء دولة، والسبب الثاني أنّ دولة العلويين كانت من الناحية الاقتصادية فقيرة جداً لتحمل أعباء مصاريف دولة، فكان على سلطة الانتداب ضمها لباقي دول المشرق التي كانت تحت الانتداب الفرنسي.(4)
عندما انسحبت فرنسا من سوريا لم ينتهي دور رعايتها لللاقليات و منهم العلويين بل تغير الاسلوب فبدل انشاء دولة مستقلة خطط لهم بالسيطرة على سوريا ابتداء من خلال جيش المشرق –الذي ضم الاقليات الدينية و العرقية – هذا الجيش الذي رفضت فرنسا تسريحه بل اصرت على بقائه و اعتماده كنواة للجيش السوري ، و لاحقا ستكون عملية الانقلابات عملية غربلة و اصطفاء للوصول بالاقليات للحكم و لم يعد سرا اليوم ان كون الانقلاب الاول (انقلاب حسني الزعيم) عام 1949 كان وراءه الفرنسيون و الامريكيون ثم توالت الامور حتى ثورة البعث المشؤومة و استتباب الامر للنصيريين في اخر انقلاب لحافظ عام 1970
بنهاية الامر لم يكن هناك انفصاليون و وحدويون بل جماعة واحدة عملت من اجل طائفتها و سايرت المتطلبات و تلاءمن معها و جيرتها لصالحها و لو كان ما نعلمه من حاضر هذه الطائفة يبشر بخير و يعطي مثالا حميدا عن اخلاقها لتجاوزنا الموضوع و اعتبرناه زلة من البعض و لكن عندما نرى اصرارا و تصريحا بلا مواربة على تدمير سوريا حجرا حجرا و سحق اهلها فاننا لا نستطيع سوى ربط الواقع بالماضي فاحداث التاريخ سلسلة مترابطة متصلة يقود بعضها الى بعض بترابط منطقي لا تنفصل فيه المقدمات عن النتائج ، (فلن تحصد وردا من زراعة الشوك ) و من لم يقنعه ما ذكرناه من ماضي هذه الطائفة فان في واقعها الحاضر ما يغني عن التاريخ

في المنشورات اللاحقة سنتطرق الى ما باعوه من سوريا (الجولان - اسكندرون..) و من بلاد العرب (لبنان - العراق ...) و اشياء اخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. كوثراني، بلاد الشام، ص. 211.
2. محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية -سورية/لبنان- مجلد 492/493
3. جبرائيل بيو - سنتان في المشرق، 1939- 1940، ص. 148
4. جاك فوليرس- بلاد العلويين، صفحات 120 – 121
 





منقول

No comments:

Post a Comment